تطابق رؤية بايدن مع خطة تحويل العالم- دلالات ومرتكزات

عندما نُمعن النظر في شخصية الرئيس جو بايدن، نجد أنفسنا أمام زعيم فريد بين الرؤساء الذين تعاقبوا على سدة الحكم في الولايات المتحدة، والبالغ عددهم 46 رئيسًا. فهو الرئيس الأكبر سنًا الذي تولى هذا المنصب الرفيع، إذ قارب عمره الثمانين عامًا عند تنصيبه. ويتمتع بخبرة واسعة في العمل السياسي، على الصعيدين الداخلي والخارجي، تمتد لنحو نصف قرن. يُذكر أنه كان سادس أصغر عضو يدخل مجلس الشيوخ في تاريخ الولايات المتحدة، وقد أُعيد انتخابه لعضوية المجلس ست مرات متتالية، كما شغل منصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما لمدة ثمانِ سنوات.
في خطابه المتميز الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر الفائت، تجلى بوضوح التوافق الكبير بين رؤيته وخطة تحويل العالم التي أقرتها الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 2015. وقد تناولنا في مقال سابق أبرز الملامح التي احتواها هذا الخطاب. فما هي أوجه هذا التطابق؟ وما هي دلالاته؟ وما هي الأسس التي يعتمد عليها بايدن لتحقيق النجاح المنشود؟
الأسس التي أرستها إدارة الرئيس بايدن تُمكّنها من إجازة مشاريعها في مجلس الشيوخ، وتخفيف حدة خلافاتها الخارجية مع الدول الكبرى، وانتهاج سياسة مرنة تُعينها على تسريع وتيرة العمل، وتعظيم مستوى الإنجاز في تحقيق الأهداف وإحداث التغيير المأمول.
أوجه التماثل بين خطاب بايدن وخطة تحويل العالم
إن التدقيق في المقارنة بين كلمة الرئيس بايدن أمام الأمم المتحدة وأهداف التنمية المستدامة، يُظهر في المجمل وجود انسجام كبير بينهما. فقد تناول بايدن خطة التنمية بكل أهدافها وشعاراتها ومرتكزات تحقيقها، بل وأحيانًا بنص عباراتها. ومن صور هذا التوافق:
- التأكيد على أن مستقبل دول العالم رهن بالعمل المشترك، بوصفه خيارًا واضحًا وملحًا. وهذا ما ورد في مقدمة خطة تحويل العالم، وما تكرر التأكيد عليه في الاجتماعات السنوية أمام قادة الدول الأعضاء.
- التأكيد على أن العقد الحالي سيحدد مصير البشرية "بكل ما تحمله الكلمة من معنى". وهو ما أكدته قمة 2019 من أن العقد القادم 2020-2030 هو عقد التسريع الذي يجب أن تتعاون فيه جميع الدول لتحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة التي تنتهي في عام 2030.
- التطرق بشكل مباشر إلى أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي تسعى إلى:
- تلبية المتطلبات التنموية الملحة، والتي تم التعبير عنها في الأهداف 1 و 2 و 3 و 4 و 6 و 8، من خلال القضاء على الفقر، وتوفير فرص عمل مستدامة للجميع، وإنهاء الجوع وتوفير الأمن الغذائي، وضمان الصحة والرفاهية للجميع، وتوفير تعليم جيد، وضرورة إعادة النظر في المفاهيم السائدة في الاقتصاد العالمي وأدواته والسياسات الاجتماعية التي ترمي إلى القضاء على الفقر. وتعهد بايدن بتقديم 10 مليارات دولار للقضاء على الجوع والاستثمار في النظم الغذائية، وأشار إلى أن الولايات المتحدة أنفقت 140 مليار دولار في العقدين الماضيين لدعم الصحة ومكافحة الأمراض، وأكد أنه سيعمل مع الشركاء على تخصيص مئات المليارات للاستثمار في البنية التحتية، وأن الولايات المتحدة ستكون المساهم الأكبر في توفير الغذاء والمياه والمأوى والرعاية الصحية وغيرها من المساعدات الحيوية التي تنقذ حياة الملايين من المحتاجين في جميع أنحاء العالم، وأن الولايات المتحدة تلتزم كذلك مع شركائها بالتصدي لسوء التغذية وضمان إطعام العالم لعقود قادمة.
- تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات. هذا هو الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة، وقد أسهب بايدن في الحديث عنه، مؤكدًا على الحرية والمساواة في الحقوق العالمية لجميع الشعوب، ومشيدًا بالمساواة بين الجنسين والدفاع عن حقوق النساء والفتيات من أجل المشاركة الفعالة اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، وحماية حقوق الأفراد.
- حظي الهدفان السابع والثالث عشر، المتعلقان بالطاقة النظيفة والمناخ، بأهمية قصوى في كلمة الرئيس بايدن. وقد عين بايدن وزير الخارجية الأسبق جون كيري مبعوثًا رئاسيًا خاصًا لشؤون المناخ، وشارك في حوار رفيع المستوى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الطاقة، حيث أعلن عن إصدار ميثاق الطاقة الأميركي، الذي يركز على "عدد الالتزامات والإجراءات الطوعية التي اتخذتها الولايات المتحدة لدفع التقدم نحو تحقيق الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة بشأن الطاقة النظيفة وبأسعار معقولة، بما يتماشى مع أهداف اتفاق باريس للمناخ والهدف النهائي المتمثل في الوصول إلى صفر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2050. كما حدد بايدن هدف خفض الانبعاثات إلى 50-52% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2005، والتحول إلى كهرباء خالية من انبعاثات الكربون بنسبة 100% بحلول عام 2035.
- أما الأهداف من 9 إلى 16، فقد كان لكل منها نصيب في كلمة بايدن، باستخدام المفردات ذاتها في بعض الأحيان.
- وكما شدد الهدف السابع عشر، وهو الهدف الختامي، على تعزيز وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية بين الدول والقطاع الخاص والمجتمع المدني، فقد اختتم بايدن كلمته بالتأكيد على أن الولايات المتحدة ستقود مع حلفائها وشركائها وبالتعاون مع جميع المؤمنين بالقدرة على مواجهة هذه التحديات لبناء مستقبل يرتقي بجميع الشعوب ويحافظ على كوكب الأرض. وهي عبارة تشبه إلى حد كبير عبارات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عندما يتحدث عن خطة التنمية المستدامة.
- أما جائحة كورونا، فقد تناولها الرئيس بايدن في كلمته بأسلوب يجعل المستمع يعتقد أن المتحدث هو المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس. بل لا يكاد يمر يوم دون أن يتحدث بايدن عن الجائحة، متبنيًا وجهة نظر المؤسسات الصحية المتخصصة الرسمية والخاصة.
الدلالات والأسس الجوهرية
هذا التوافق الوثيق بين خطة التنمية المستدامة وخطاب الرئيس بايدن، يشير بوضوح إلى أن إدارة بايدن ستقود خطة التنمية المستدامة 2015-2030، المعروفة بخطة تحويل العالم، على المستويين الداخلي والخارجي، وأن خطة التنمية المستدامة ستشهد تسارعًا كبيرًا في السنوات الثلاث المتبقية من رئاسة بايدن. وقد تتعزز فرصته في الفوز بفترة رئاسية ثانية تمتد حتى عام 2029، ليواصل دعمه لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. من المتوقع أن يحظى بتأييد ودعم كبيرين من مراكز القوى المؤثرة في خطة أهداف التنمية، التي تتجاوز الموازنة السنوية لمشاريعها 4 تريليونات دولار، ويقترب موعد اكتمالها من موعد انتهاء الفترة الثانية للرئيس بايدن، الذي سيتم عامه الثمانين في العام القادم.
من جهة أخرى، تضمن خطاب الرئيس بايدن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة من الأسس الحيوية التي يُفترض أن تحقق النجاح. وفي مقدمتها:
1. ريادة العالم
الإعلان بكل وضوح عن أن الولايات المتحدة ستقود عملية تحقيق هذه الأهداف، والانتقال بالعالم إلى المستقبل الجديد الذي تم تحديده مسبقًا في خطة التنمية المستدامة.
2. الشراكة
لن تتحرك الولايات المتحدة بمفردها، بل ستقود شركاءها في هذه المسيرة، وهم على ثلاثة أنواع:
- الحلفاء، وهم الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (G7).
- الشركاء، الذين تربطهم مصالح مباشرة مع الولايات المتحدة، مثل أستراليا والهند ودول الخليج العربي والمكسيك والبرازيل والأرجنتين.
- بقية دول العالم وعلى رأسها روسيا والصين، التي تتلاقى مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، بحكم وجودهم على كوكب واحد.
- القطاع الخاص، الذي يضم مجموعة الشركات الكبرى التي ستشارك برؤوس أموالها في تنفيذ مشاريع التنمية المستدامة في مجالات الطاقة والمناخ والصحة والبنية التحتية والتحول التكنولوجي.
3. مصلحة الشعب الأميركي أولاً
تضع إدارة الرئيس بايدن في اعتبارها مصلحة الشعب الأميركي في المقام الأول عند تبنيها لهذه الخطة، إذ يجب أن تبدأ الخطة به، وأن يكون هو المستفيد الأول من نتائجها الاقتصادية والصحية والتنموية.
4. التفوق العسكري
ستحافظ الولايات المتحدة على تفوقها العسكري، ولكن لن يتم اللجوء إلى الخيارات العسكرية إلا بعد استنفاد جميع المساعي السياسية، وستبقى الولايات المتحدة صاحبة الحق في التدخل العسكري ضد كل من يهدد مصالحها.
5. الانفتاح على الجميع
ستتعاون الولايات المتحدة مع جميع الدول، بما في ذلك روسيا والصين وكوريا الشمالية، بغض النظر عن أي خلافات سياسية أو أيديولوجية قائمة بينها وبين الولايات المتحدة.
من شأن هذه الأسس أن تُمكّن إدارة الرئيس بايدن من تمرير مشاريعها في مجلس الشيوخ، وتهدئة خلافاتها الخارجية مع الدول الكبرى، وتطبيق سياسة بارعة تُساعدها على تسريع الخطوات، وزيادة مستوى الإنجاز في تحقيق الأهداف المنشودة وإحداث التغيير المأمول.
(يتبع: تأثيرات الخطة على المنطقة العربية والعالم)